Friday, March 24

مقال.. حتى نلتقي – فخ

Google+ Pinterest LinkedIn Tumblr +

بقلم/ يوسف أبو جعفر أبو الطَّيِّب
هربت كل الكلمات في هذا الصباح، ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، بمعنى الكلمة ليس في رأسي شيء واحد بل أشياء، وعندما أحاول أن أُصفي ذهني كمن يقفز سطًر وهو يقرأ، فمن يستمع للقراءة لا يفهم الكلمات، ومن يقرأ لا يستطيع أن يكون ترجمان، أحاول مرارًا وتكرارًا ولكن دون جدوى، كان بيني وبين التوقف عن الكتابة لحظة ، فيوم أمس كانت هناك أفكار وملاحظات وانتقادات سوى أنها جميعًا هربت، وأنا لا أدون أفكاري، ربما من الأفضل ولكن من يدري لعله أسلم ألَّا يكون الأمر كذلك.

للحظة ظننت أن الفكرة هي هروب الأفكار، ولكني أدركت أن الموضوع أكبر من ذلك، ما الذي يشغلنا حتى لا نصل إلى الاستقرار الحقيقي الفكري؟

افكاري في هذه الساعة كطائرالشتاء الذي يقفز من حجر إلى أخر يبحث عن دودة لطعامه، وهو ينظر مليًا كي لا تكون الدودة طعمًا لفخ الصيد، وما زال عقلي يدور بسرعة، دائمًا هناك من يحسن صنع الأفخاخ فيسقط الطائر صريع رغم الحذر.

لقد أعادني الأمر إلى الطفولة ، تلك الأيام التي من يستطيع فيها شراء فخ واستعماله فقط القلة من المحترفين، أما البقية فتشاهد وتشارك في جلب الطائر إلى الدودة وتستمتع بموته بطيئًا، وليس هناك من يحذر المسكين حول الموت القادم.

من الصياد ومن الطائر ومن الجمهور المشارك في محاولة الصيد؟ لا شك أنها صورة مجازية ولكنها تنطبق على كل شيء، هناك دائما من يحاول الصيد، فالحروب العالمية والكبرى هي محاولات صيد والأقليمية كذلك، والحرب الدائرة في الأفق في سماء أوروبا ما هي إلَّا محاولة صيد، بدأت بشبه جزيرة القرم ثم انتقلت رويدًا نحو وضع طعم أكبر لجذب الطائر الى معقل الصياد، ولم يكن حينها فخًا عاديًا بل جُهز خصيصًا لهذا الأمر.

قس على ذلك كل ما حولك من نشاطات وأعمال، ستدرك أن سياسة الفخ تحولت من لعبة كانت نتيجتها موت العصفور، إلى مأساة حقيقية، فنحن ننصب الأفخاخ في كل يوم، على الطرقات والأرصفة والبنوك والمعاملات، في الزواج والطلاق، وأصبحت هذه السياسة هي الطريق للنصر، للأخذ بالثأر، لرفع القيمة والأنا في كل مكان، في صراعاتنا الاقتصادية والسياسية والعائلية والقبلية كلنا نلعب وفق منظومة الصيد البدائية، طبعًا مع وجود تحسينات ليس في قوانين اللعب بل في الأدوات.

أحد المناظر التي أذكرها جيدًا، هو ذلك الصياد الذي يتلبد ( تقرأ بالهجة البدوية) وتعني أنه يحاول أخفاء نفسه، ربما خلف حجر أو شجر، وفي زمننا هذا أصبح الصياد يتلبد بالناس والفيس والسياسة العامة، كلها أصبحت أدوات إلهاء للطائر حتى يقع في الفخ.

أما أكثر أداة تستعمل اليوم لم تكن في عالم الصيد سابقًا فهي الكلام المعسول، نعم نحدث الطائر كلام كبير جدًا نقول له أنه جميل، رائع وربما شعر بزهو فيرفع رأسه وينفش ريشه ، في ذلك الزمن لم نكن نعرف لغة الطيور أما اليوم فالخبراء كثيرون ومهمتهم الأولى مراقبة الطيور.
في النهاية رغم كثرة القوانين لحماية الطيور إلا أن الطيور لا تقرأ ولا تكتب وترتكب نفس الأخطاء، في هذا الزمن نحن بحاجة لابتكار طرق جديدة ليس لحماية الطيور من الصيادين بل ليفهم الصيادون أن الطيورلا بدَّ لها أن تعيش لنفسها وليس فقط للطبخ.

وحتى نلتقي، أنظروا جيدًا حولكم، لقد امتهن العالم الصيد بشتى أنواعه، لقد أصبحت مهنة صيد البشر وحتى صيد الرؤوس أثمن المهن، الرؤوس التي تستطيع جلب الخير للبشرية وليس تلك التي همها فقط السيطرة على العالم، بل جلب الخير العالم.

رهط ٢٦-كانون ثاني ٢٠٢٣

Share.

About Author

Leave A Reply

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com